دخل بيت الفريسي
سمو الرب عن المُجاملات الطبيعية: فمن ناحية قَبِلَ دعوة الفريسي، رغم عِلمه بحقيقة مشاعره، فهو لا يصُّد سائلٌ، ومن ناحية أخرى لم يتحرَّج في أن يكشف تقصيره المُتعمّد في حقوق الضيافة الواجب أن يقدمها له، باعتباره ضيفٌ عليه.
ظهور ألوهيته وإنسانيته معًا في تناغم وانسجام بديع: فبينما نراه إنسانًا مَهيبًا، يمكن لامرأة مسكينة أن تدنو منه، ساكبة قلبها أمامه، نراه في الوقت ذاته، الله الذي يعرف خبايا القلوب، ويكشف سرائر الناس، حتى أنه جاوب على ما فكَّر فيه الفريسي في نفسه، دون أن يُجاهر به.
وبينما نراه إنسانًا يتكئ، ويمكن لامرأة أن تغسل رجليه، وتدهنهما بالطيب، وتمسحهما بشعر رأسها، نراه أيضًا الله الذي له وحده أن يغفر الخطايا، فيُعلن عن سلطانه هذا للمرأة أمام الجمع، بكل ثبات ويقين قائلاً لها: «مغفورة لكِ خطاياكِ».
تحجيمه الصريح لمن يشعر بالتباهي والتفاخر، وتشجيعه الرائع لمن يشعر في ذاته بالرفض وصِغَر النفس: فلقد عبَّر بقصة بسيطة وبليغة في الوقت ذاته، عن موقفي كل من الفريسي والمرأة منه، في مَثَل المديونين، فبينما أظهر سبب فتور مشاعر الفريسي من نحوه، إذ كان ممتلئًا بالبر الذاتي الزائف، فلم يُدرك فداحة مديونيته، وفضْل مَنْ رفع عنه هذا الدين الثقيل، أوضح البواعث التي من أجلها تأججت مشاعر المرأة من نحوه، وكيف أن محبتها وتقديرها له كانا متصاعدين، بعد أن أنعم عليها ورفع عن كاهلها الضعيف هذا الحِمل الثقيل.
ألا يستحق هذا السيد الكريم منا كل تقدير وتمجيد